الأحد، 5 سبتمبر 2010

مقال رائع

من الذي صنع ياسر الحبيب ؟!



 

طالب عضو مجلس الأمة الإنتربول ووزارة الداخلية بمخاطبة الحكومة البريطانية لملاحقة ياسر الحبيب، كما طالب الثاني بإسقاط جنسيته! ولحقهما الثالث بمأمأته... 

لم تعد الإثارات وافتعال الأزمات أمراً مستغرباً من القوم، بل صار عادة مرتقبة، نعجب إذا طال عليها الأمد وانقطع المدد، وتركوا البلاد والعباد بأمان وسلام وهدوء لفترة امتدت شهراً وبعض الشهر.
أما ياسر الحبيب فقضية يجب الرجوع فيها إلى الأصل والجذر، والنظر بدقة وموضوعية... ياسر كان شاباً مغموراً غير معروف، ولم يسمع به أحد، كان يلقي دروساً ابتدائية على مجموعة من الفتيان في حلقة مغلقة، لا يتجاوز عدد الحضور فيها سبعة أشخاص، وفي أحد دروسه تعرض للشيخين ونال منهما بما يمس المعتقد السني فيهما، حصلت جماعة المستقلة وصفا وذكّر على الشريط فاستنسخت منه عشرات الآلاف ووزعته مجاناً فانتشر في طول البلاد وعرضها، في إشاعة بيّنة للفاحشة، مما نهى عنه القرآن ومنع. لاحقته إثر ذلك الأجهزة الأمنية وألقت القبض عليه وقدّمته للقضاء الذي حكم عليه بالحبس سنة... وفي الاستئناف طرأ تغيّر مفاجئ في مسار القضية، ألغت فيه المحكمة حكمها الأول وأحالت القضية إلى النيابة العامة ونقلتها إلى محكمة الجنايات كجناية أمن دولة!
في هذه الأثناء، كان ياسر قد خرج من السجن بعفو أميري، ومع التطورات القضائية واعتراض بعض النواب وجماعة المستقلة وصفا وذكّر على العفو الصادر من ولي الأمر! وتهديد التكفيريين بتصفيته وقتله إن ظفروا به... هرب الشاب وفرّ إلى بريطانيا حيث منحته السلطات هناك حق اللجوء السياسي .
وأعتقد أن أصل القضية بدأ مع سن قانون حصانة الصحابة، الذي طبخه بعض النواب بليل، وأصروا عليه وخضع له وجاراه آخرون، فكانوا من حيث يريدون أو لا يريدون سبباً لدخول البلد مرحلة مستحدثة من الفتنة، والبدء بملاحقة الناس والترصد للمنابر والحسينيات، ونكئ الجراح وتجديد الخلافات، وشن حملة على كل صوت بل نفَس يخالف معتقدات السلفية في تصوير - أتحفّظ عليه - أنه معتقد الأكثرية السنية الضئيلة، مما صب في الحرمان العقائدي والاضطهاد الطائفي الذي ما زال يمارس ضد الشيعة في الكويت... هذه الخطوة التي كانت تبيّت الفتنة وتعد لها وتمهد لتأجيجها، هي التي خلقت ردات الفعل المتطرفة وأوجدت حالة ياسر الحبيب.
الوضع القانوني لياسر الحبيب اليوم يرتكز على محورين، الأول: أن محكمة الجنايات التي حكمت عليه بالحبس عشر سنوات لم تسمع أقواله ولا هو تمتع بالدفاع، إذ حضور المتهم في محكمة الجنايات وجوبي، ولا يمكن للمحامي أن يحضر وينوب عنه، ولا أن يقدم مرافعته ودفاعه ولا النظر في أوراق الدعوى، لذا فقد صدر الحكم بناء على ادعاء سلطة الإتهام وأقوال الشهود، دون سماع ياسر ولا دفاعه .
والمحور الثاني: أن ياسر الحبيب سجين رأي... وهو مرتكز منحه اللجوء السياسي في بريطانيا، فالشاب لم يحمل بندقية ولا زرع متفجرات، ولا هدد أحداً ولا أرعب ولا أرهب، ولا تلثم ولا تنقّب، إنما عبر عن رأيه... ولا نختلف بعد هذا أنه فعل ذلك بشكل خاطئ بل بخطيئة، وبطريقة مرفوضة تماماً، لا يقبلها الشيعة قبل السنة .
إن ياسر الحبيب شخص مرفوض من الشيعة كما هو من السنة، وقد تعرض لرموز الشيعة وأهان مراجعهم كما فعل بمقدسات إخواننا السنة، حتى أنه كفّر مرجع تقليد شيعي، من عظماء الطائفة وأساطين العصر هو الشيخ بهجت الفومني قدس الله سره، لأنه «سمع» أنه يؤيد العرفان، ويقول بآراء صنّفها «الشيخ» ياسر، الذي لا يبلغ مستواه العلمي عشر معشار ذرة من علم آية الله العظمى الفقيد المظلوم الشيخ بهجت، وهو في عمر أصغر أحفاد أبنائه، آراء يقول ياسر أنها تشكل كفراً! وبنى كل ذلك على نقل وتحليل! إذ هو لم يقرأ للرجل كتاباً ولا سمع له محاضرة، ولا حضر - طبعاً - درساً، ومع ذلك كفّره!...
فالشاب إذن مشروع أزمة، خلقها التشدد والتطرف المتفجر في العراق، ما لم يوفر أعز المقدسات الشيعية وأكثرها حرمة وخطراً، وكان الفتى يتلمس جذوره في بلده ويرصد منابعه ومدده حوله وقريباً منه، فجاءت ردّة الفعل المتطرفة من هذا الشاب، بهذا الشكل .
هذه هي قضية ياسر الحبيب، وهي قضية جزئية صغيرة أشبه بزوبعة في فنجان، وهي من الباطل الذي يموت بتركه... فلماذا هذا التهييج والإثارة كلما خبا ذكره وانطفأت وقدته؟ نحن نشعر ما أصاب القوم من برنامج السيد كمال الحيدري في قناة الكوثر، وكيف ألجمهم وألقمهم حجراً بعد حجر، وكبلهم وصفدهم، فلم يعودوا يحيرون جواباً ولا يملكون رداً، في ميدان حقيقي للمناظرة والبحث العلمي الرصين، البعيد عن إسفاف المستقلة وتهريج صفا وأكاذيب وصال وطرهاتهم، هذا هو الميدان الذي ما زالوا يفرون منه ويتهربون، إلى الإثارة الصحفية ودوامات المحاكم والملاحقات الجزائية التي تستغل القانون وتسيء استخدام السلطة وأدواتها. ياسر الحبيب صنيعة تطرف التكفيريين، وقانون الصحابة، وعجز المتطرفين الطائفيين عن ميدان العلم والاحتجاج، ولجوئهم إلى التهريج والاسفاف، ونقل المعركة إلى ساحات أخرى لن تعالج داءهم ولن تشفي أمراضهم!
إننا ندعو العقلاء من إخواننا السنة، وندعو الوطنيين الحريصين على هذا البلد، أن يسعوا بجدية لا تحتمل التراخي والتباطئ، لوضع استراتيجية شاملة، تشمل التعليم والإعلام والأوقاف وكل جهة مختصة بالأمن والدين، معنية بالتربية والثقافة، تجتث جذور التطرف والتكفير من المجتمع، لا على طريقة الضرب بيد من حديد! فهذا لا يجدي وحده، بل بالعمل على معالجة الفكر الفاسد المفسد، ووضع اليد على مواطن الجرح ومواقع المرض بصراحة ووضوح، لعل وعسى أن يكتب لهذا البلد النجاة من فتنة لن ينجو منها أحد.

* مئة سؤال وسؤال: 

إلى وزير الداخلية الموقر: من شروط الإفراج عن المسجونين بالعفو الأميري، حسن السير والسلوك في فترة حبسهم، وهذا أمر مطلوب ومرغوب .. ولكن ماذا نقول وقد وضعت إدارة السجن بالتعاون مع مشايخ دين شرط أداء الصلاة جماعة (لا فرادى في زنزانته) حتى يعدّ السجين حسن السيرة، ترى ماذا على السجين الشيعي أن يفعل؟ هل يترك مذهبه ويتسنن؟ أليس هذا من ضروب التمييز المذهبي والإكراه على المعتقد؟

المقال للمحامي خالد الشطي بجريدة الدار 5-9-2010

هناك 12 تعليقًا:

  1. مقالة جيدة، من قلم ممتاز.
    ياسر الحبيب يُستخدم مثل قميص عثمان.
    لانتاج معارك هدفها تحقيق المكاسب من قبل طفيليات الطائفية المنتشرين حاليا في الكويت.

    ردحذف
  2. ماتسوى الموضوع يقلب طائفي من قبل لااعرف انه مهاجم شيعه ..

    حسيت انه هالشخص مثل اي شخص عادي مايمثل الا نفسه..

    مشكور ع مقال وضحت لي امور كنت اجهلها .

    ردحذف
  3. سفيد

    مرورك اسعدني و بالطبع اؤيدك فيما ذهبت اليه

    بارك الله فيك

    ردحذف
  4. رورو الشخبوطه

    شاكر لج على مرورج الكريم و اتمنى ان لا احرم من هذا التواصل

    ردحذف
  5. (:
    تسلم على هذا النقل الطيب لهذا المقال الرزين

    لازلت أكرر بأن أكثر من يثير الفتن هم اعضاء المجلس وماعليك الا متابعة تصريحات الاعضاء من كلا الطرفين وراح تشوف العجب العجاب !!

    كثرة التصريحات تثبت على أن الدين لازال يستخدم كأفضل طريقه للتكسب سياسياً مع ضمان الجوده أيضاً

    وعيدك مبارك (:
    وكل عام وانت بخير (:

    ردحذف
  6. حياك الله عزيزي بو غرايم

    مرورك اسعدني و الله لا يحرمني من هالتواصل الطيب

    ردحذف
  7. السلام عليكم...
    مقال قيم بوركت على نقله...
    تهنئة عيد الفطر المبارك:
    نتقدم اليكم باسمى آيات التبريك وازكى الدعوات واحر التهانى وارق الامنيات بحلول عيد الفطر السعيد لعام 1431ه-2010م.
    اعاده الله سبحانه عليكم جميعا بالمحبة والود والالفة والسداد واليمن والبركات وتقبل الله صيامكم وقيامكم واعمالكم وغفر ذنوبكم وعفى عن تقصيركم ودفع عنكم كل مكروه... سائلينه سبحانه وتعالى ان يعم الامن والسلام والرخاء على البشرية جمعاء وان يسدد خطاها انه سميع مجيب الدعاء..

    دمت بود عامر لاحدود لسواحله...

    ردحذف
  8. عزيز يا اوبن بوك

    مشكور و ماتقصر يالغالي

    و كل عام و انت بخير و تقبل الله اعمالك

    راعي واجب يالعود :)

    ردحذف
  9. كلام موزون وتحليل ممتاز اخي الكريم

    ردحذف
  10. ياسر الحبيب وغضب المسلمين من الي قاله مجرد نكته وتمثيليه يظحكون فيها علينا
    وينم عن الاحاديث الكثيره الي تسيئ لام المؤمنين

    لي غلط كلامه مردود عليه لكن الاحاديث الي يدعون انها من الدين هذي وين نصرفها

    ردحذف